ملخص كتاب (كليلة و دمنة) لابن المقفع

القائمة الرئيسية

الصفحات

ملخص كتاب (كليلة و دمنة) لابن المقفع

 

ملخص كتاب (كليلة و دمنة) لابن المقفع

عندما بلغ (دبشليم) أعظم ملوك الهند و أعتاهم ما بلغ من قوّة و جبروت، فتح خزائن كتب من سبقوه من الملوك، فوجد أنّ لكلّ منهم كتابًا باسمه، يُخلّد بطولاته و أمجاده. فحزّ في نفسه أن يرحل من دنياه دون أن يترك كتابًا لخلفه، كما صنع سلفه. فطلب من  (بيدبا) الفيلسوف الحكيم أن يكتب كتابًا باسمه، فيكون بمثابة إرثٍ خالد تتذكرّه به الأجيال اللاحقة، شريطة أن يصوّر فيه الحكمة و العقل في قالب هزلي مسلٍّ. و أمهل الملك فيلسوفه الحكيم الوقت الكافِ ليتروّى و يسترسل في كتابة ما أُمِر به. فلم يجد (بيدبا) الفيلسوف غير ألسنة الحيوان من طيور و حيات و وحوش و كواسر، لتصوير قصص ظاهرها مسلٍّ، و باطنها حكمة و موعظة و أدب و أخلاق.

فقسّم كتابه إلى أبواب، كل باب ينطوي على عبر و مواعظ مقصوصة على ألسنة البهائم.

 




الباب الأوّل:

و فيه مثل الذي يدخل بالنّميمة بين الصّديقين المتحابين، فينزغ بينها، و يبغّض كل منهما في عين الآخر و يحقّره، حتى يتم له الذي أراد من التّفرقة بينهما، و قطع وشائج الودّ و المحبة التي كانت تصلهما. و في هذا الشّأن وضع (بيدبا) الفيلسوف قصّة (كليلة و دمنة) في مستهلّ كتابه، و ملخّصها أن ملك الأسود سمع في ذات مرّة خوار ثور بالقرب من حماه، فارتعب و ارتعدت فرائصه لهذا الصّوت العظيم، و هو الذي لم يسمع خوارًا من قبل قط. فأهمّه أمر هذا الكائن الغريب ذو الصّوت العظيم، فابتأس و مكث أيامًا طوالًا حزينًا مرتعبًا من خطر محدق قد يطاله من الثّور. ثم إنّ (دمنة) -و هو ثعلب ماكر- لاحظ قلق الملك و عرف سببه، فتقرّب منه، و عرض عليه مساعدته ثم وعده بأنّه سيحضر  إليه بـ (شتربة)  -و هو اسم الثّور- ذليلًا خاضعًا. فأجابه الأسد بالقبول. بعدها اتّجه (دمنة) إلى (شتربة) و أخبره أنّ الأرض التي يرعى من عشبها إنّما هي أرض ملك الأسود، و أنّه يأمر بحضوره بين يديه السّاعة، فإن كان غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه. فتبع الثّور (دمنة) إلى الأسد طوعًا. فلمّا تعرّف الأسد على (شتربة) أُعجِبَ بحصافته و سداد رأيه إعجابًا شديدًا، فأكبره في نفسه، و استأنس له، و قرّبه منه حتى صار لا يُقيم رأيه إلا بمشورته و الأخذ بنصحه. ثمّ إنّ (دمنة) لمّا رأى ما تمّ لـ (شتربة) من علو مكانته عند الملك، حسده حسدًا عظيمًا، فلا زال يدس الدّسائس ليُطيح به، حتى لطخ صورته أمام الأسد، و صوّره بأنّه عدو في هيئة صديق، و أنّه لم يتقرّب من الأسد إلا ليُطيح به و يأخذ مكانته، حتى تقاتل الاثنان في معركة دامية خرج منها الأسد منتصرًا مثخنًا بالجراح، و (شتربة) قتيلاً.  ندم الأسد ندمًا شديدًا بعد أن قتل أعز أصحابه و أوثقهم إلى نفسه، و ارتاب لأمر (دمنة) ارتيابًا عظيمًا، فاتّهمه بتلفيق الأكاذيب على (شتربة) فأنكر و كذّب، حتى شهدا نمر و فهد على كذب (دمنة) و فجوره، بعد أن سمعاه يُفضي لأخيه (كليلة) بدسيسته للثّور، فأمر الملك بـ (دمنة) أن يُقتلو يصلب، فتمّ له ذلك.

 

الباب الثّاني:

و يذكر فيه (بيدبا) الفيلسوف الحكيم لملكه (دبشليم) قصة فيها مثل الأخوان كيف يتحابون و يتوادّون و يشدّ بعضهم أزر بعض، كما الحال عند الحمامة و الجرذ و الظّبي و الغراب. إذا يُحكى أنّه تصادق غراب و جرذ و سلحفاة و ظبي و تعاهد أربعتهم على التّعاون و التّآزر في كل ما يطالهم من خير أو شر. فإنّ الغراب و الجرذ و السًّلحفاة لمجتمعون ذات يوم يتبادلون أطراف الحديث، حتى لاحظوا أنّ الظّبي قد أطال الرّجوع إليهم، فأهمّهم أمره، و خافوا أن يكون مكروهًا قد أصابه، فانتشروا يبحثون عنه حتى وجدوه عالقًا في شرك أحد الصّيادين، فأنشأ الجرذ يقضم الحبائل حتى إذا فرغ منها وافاهم الصّيّاد. فطار الغراب، و ركض الظّبي، و اختبئ الجرذ بين الأحجار و الأشجار، و لم يبقَ غير السّلحفاة. فلما وجدها الصّيّاد قام فربطها إلى أحد الأشجار، و ذهب في طلب الظّبي علّه يظفر به. و هنا احتال الأصدقاء عليه، فتظاهر الظّبي بأنّه مصاب و الغراب يأكل منه، فتبعهما الصّيّاد فهربا منه دون أن يمكّناه من نفسيهما أو يقطعا رجاؤه منهما، في حين أنّ الجرذ كان يقطع الشّرك عن السّلحفاة. و لمّا تعب الصّياد من الظّبي عاد إلى المكان الذي ربط به السّلحفاة فلم يجد غير حباله. فذُعِر و ظنَّ أنّ هذه الأرض إنّما هي أرض جنّ و عفاريت، يستحيل فيها الظّبي سلحفاةً، و تقطع السّلحفاة الحبال و تفرّ من الفخّ. فرحل و هو لا يلوِ على شيء.

 

الباب الثّالث:

و يذكر فيه الفيلسوف للملك مثل العدو الذي لا يصحّ أن يُستهان بصغره، و حقارته، و ضعف حيلته. و في هذا الشّأن يروي (بيدبا) حكاية البوم و الغربان. إذ زعموا أنّ جماعةً من البوم أغارت على جماعة من الغربان في أوكارها، فقتّلت منهم كثيرًا، و ألحقت بهم خسارة عظيمة. و لمّا انتهى القتال اجتمع الغربان إلى ملكهم، و طلبوا منه أن يُشير عليهم ما يصنعون بعد ما لحقهم من أعدائهم من أذى و ضرر. فتدخّل وزير الملك، و كان ذو حكمة و عقل و حصافة، و طلب من الملك أن يسمح للغربان بأن ينتفوا ريشه و ذنبه، و يتركونه طريحًا عند أصل الشّجرة، و يرحلوا بعيدًا عن حماهم،  حتى إذا جاء البوم ليُغيروا عليهم ثانية، و وجدوه على تلك الحال، حاك لهم مكيدة لم تخطر قط على بالهم. فعل ملك الغربان ما أشار عليه به وزيره، ثم طار بعيدًا هو و جماعته، و عندما جاء البوم، و وجدوا وزير الغربان على تلك الحال، و سألوه عمّا أورده مورده هذا، أخبرهم أنّ الغربان اتّهموه بالتآمر مع البوم ضدّهم، فأوسعوه ضربًا، و تركوه طريحًا. فلمّا سمع ملك البوم مقال الوزير، أمر بالإبقاء على حياته و إكرامه، علّه يكون عونًا لهم في حربهم ضدّ الغربان. ثمّ إنّ ملك البوم لما استأنس لوزير الغربان، و أنزله منزلة الموثوق فيهم، طار الأخير إلى ملك الغربان و أخبره أن عشيرة البوم يسكنون في جبل كثير الشّجر و الحطب، و أشار عليه أن يُشعلوا النّار عند كل مداخل ذلك الجبل و يروّحون عليها بأجنحتهم، فمن لزم حماه من البوم أحرقته النّار، و من خرج طالبًا الفرار خنقته الأدخنة، ففعل ملك الغربان و جنده ما أمِروا به، و أهلكوا البوم أجمعين.

 

الباب الرّابع:

و فيه نسمع عن قصة (القرد و الغيلم) التي تُعطي مثلا عن الرّجل الذي يضيّع الذي بين يديه بعد إحرازه و تحصيله بسبب سذاجته و قلّة تحكيمه لعقله. إذا يُحكى أن قردًا و غيلمًا تصاحبا على شواطئ إحدى الجزر، فبذل كلّ منهما في سبيل الآخر عظيم الحب و الودّ. إلا أنّ زوجة الغيلم لمّا طال غياب زوجها عنها و احتارت لأمره، تقصّت عن خبره، فعلمت من جارتها أنّه مشغول عنها بمصاحبة قرد، و أنّه يقضي جلّ وقته معه لا يفارقه إلا قليلًا. فأهمّها أمره، و خافت أن تخطفه هذه الصّحبة الجديدة و تُبعِده عنها، فاحتالت لها جارتها بحيلة ماكرة، و هي أن تخبر زوجها بأنّها مريضة هالكة، و ألا دواء يُبرؤها من سقمها إلا قلب قرد. فلمّا أخبرت زوجها بشأن مرضها، أشفق عليها، و خاف أن تتخطّفها يد الموت من بين يديه و هي أعزّ ما يملك. ثمّ تذكّر صاحبه القرد، و أنّ بإمكانه أن يحصل على قلبه، فذهب إليه، و دعاه باسم صداقتهما إلى منزله ليكرمه و يؤديّ له واجب الضّيافة. ثمّ إنّ الغيلم أنّبه ضميره في منتصف الطريق إلى بيته و هو يحمل القرد فوق ظهره، فأخبره عن علّة زوجته و دواءه، فلمّا علم القرد بمكيدة صاحبه، أخبره أنّ عادة القرود هي إهداء قلوبهم لأحبّتهم عندما ينزلون ضيوفًا عندهم، و أنّه قد ترك قلبه عند الشّجرة التي يسكنها، فإنّه إن عاد به السّاعة إليها، أحضره معه و ذهبا به إلى زوجة الغيلم فتُشفى من مرضها. فرح الغيلم لما سمع من القرد، و أنّه سيهديه قلبه عن طيب خاطر، دون أن يغدر به. و ما إن وصل الاثنان إلى الشّجرة حتى قفز القرد إلى أعلاها و أخبر الغيلم ألا أمل له في الحصول على قلبه.

 

 

الباب الخامس:

و فيه مثل الرّجل العجول في أمره دون النّظر في العواقب، كما هو الحال في قصة النّاسك و ابن عرس. إذ زعموا أنّ ناسكًا رُزِق بمولود ذكر بعد سنين من الانتظار، فاغتبط له اغتباطًا شديدًا. و ما هي إلا أيام قلائل حتى ذهبت أمّ الصّبيّ لتغتسل مُخلِّفةً وراءها زوجها عن ولدهما، و ما لبثت أن فارقتهما حتى جاء رسول إلى النّاسك من عند الملك، يأمره بالحضور بين يديه. عندها ترك الرّجل ولده عند ابن عرس أليف كان قد ربّاه منذ صغره، و أغلق الباب دونهما و ذهب. و ما هي إلا ساعة حتى خرجت حيّة عظيمة من شقوق جدران البيت و همّت بقتل الصّبيّ لولا أن تدخلّ بن عرس و قطّعها إربًا إربًا. و لما عاد النّاسك خرج ابن عرس و فمه مصبوغ بدم الأفعى ليُريَ سيده مالذي صنعه بعدوّه الذي أراد بأهله سوءًا. فلمّا رآه الرّجل و الدّم في فمه ظنّه أنّه قد قتل صغيره، فوكزه بعكازه على رأسه فصرعه، قبل أن يصل إلى بيته و يرى ابنه بخير حال و بجانبه الحيّة مقطّعة، فعلم الذي حصل و ندم ندمًا شديدًا على قتل ابن عرس.

 

الباب السادس:

و فيه مثل من يُصالح عدوّه و عدوّه يصالحه من أجل التّغلب على عدوّ لكليهما يتربّص بهما. كما الحال عند الجرذ و السّنور. إذ يُحكى أنّ جرذًا اسمه (فريدون) جاور سنورًا اسمه (روميّ) في المسكن، و كان الأول يحتاط كل الحيطة عند خروجه من جحره مخافة أن يلتهمه الأخير. فإنّ (فريدون) خارج ذات يوم لطلب طعامه إذ به يلمح (روميّ) محبوسًا في شباك أحد الصّيادين. ثم التفت ليرى بومة واقفة على إحدى الأشجار تريد الانقضاض عليه، و ابن عرس من وراءه ينتظر الفرصة للظفر به. فلم يجد بدًّا من مساعدة القط و تخليصه من أسره، لينجو الاثنان بحياتهما، كيف لا و الصّياد و البومة و ابن عرس كلّ منهم لهما عدو. و هكذا جعل الجرذ يقضم الشّباك و ما إن انتهى من تحرير السّنور حتى قدم الصّياد فسارع الاثنان في الاختباء بين الأحجار و الأشجار، و نجا بحياتهما. ثمّ إنّ السّنور بعدها عرض على الجرذ مصاحبته لما أظهره من حسن نية، فأبى الأخير تلك الصّحبة، لما فيها من خطر عليه.

 

الباب السّابع:

و يحكي لنا فيه (بيدبا) الفيلسوف قصة الملك و فنزة، التي تُستَقى منها حكمة عظيمة ألا وهي ارتياب أهل الضّغائن بعضهم من بعض، و استحالة وثوق كلّ منهما في الآخر و بينهما وِتر قديم و حقد دفين. إذا زعموا أنّ ملكًا كان يملك طائرًا اسمه (فنزة). و كان له عصفور صغير هو ابنه. و كان الاثنان ينطقان بأجمل ما يُنطَق به. فأحبّهما الملك و أكرمهما. ثم إنّ زوجة الملك وضعت مولوداً، فصار (فنزة) يطير إلى مناطق بعيدة و يحضر له فاكهة غريبة يقتسمها هو و عصفوره الصّغير. فكبر الاثنان بسرعة. ثمّ إنّ (فنزة) عاد ذات يوم من رحلته فوجد أنّ ابن الملك قد قتل صغيره لأنّه رأى ما لا يعجبه منه. فوثب عليه هو الآخر و فقأ عينه و طار بعيدًا إلى شرفة القصر. فلمّا بلغ الملك من أمر ابنه و ابن (فنزة) أراد أن يعطيه الأمان حتى إذا صار بين يديه أهلكه. لكنّه باطلًا ما أراد لأنّ (فنزة) تفطّن لحيلة الملك و أبى الإباء كلّه أن يعيد علاقته معه إلى سالف عصرها. و رأى الرّأي كلّه أن يطير بعيدًا عن ذلك القصر و ينجو لنفسه من انتقام الملك.

 

الباب الثّامن:

و فيه مثل الملك الذي يراجع عقوبة صدرت منه في حق أحد من رعيته ظلمًا و جورًا دون ذنب. كما هو الحال عند الأسد و ابن آوى النّاسك. إذ زعموا أنّ ابن آوى كان ناسكًا زاهدًا مترفعًّا عن الملذّات، حتى بلغ خبره الأسد ملك الغابة، فأمر بابن آوى أن يحضر بين يديه، ففعل. و ما إن سبر غوره أُعجبَ به و بحصافته، و رزانته، فدعاه أن يصبح من أعوانه، فقبل ابن آوى على مضض بشرط واحد، و هو أن يتأكدّ و يتثبّت و يتروّى في الحكم عليه، إذا حدث و بلغه في يوم من الأيام ما يسوؤه منّي، فوعده الملك بذلك. و لمّا رأى أعوان الأسد أنّ ملكهم قد اختصّ لابن آوى بالاهتمام و الرّعاية، حسدوه على ذلك، و أجمعوا أن يكيدوا له، و ينزغوا بينه و بين الأسد حتى يُهلكه. ثم اجتمعوا على سرقة طعام الأسد و وضعه في جحر ابن آوى، حتى إذا طلبه و لم يجده أشرنا عليه بتفتيش بيت ابن آوى، فإذا وجده هنالك تيقنّ أنّه قد سرقه، فيعاقبه أشدّ عقوبة. ففعلوا ذلك و انطلت الحيلة على الأسد الذي أمر بقتل ابن آوى لولا أنّ أمّ الملك أشارت على ابنها بالتّريث و التّثبت في الأمر. فلمّا كان ذلك تأكدّ الأسد من براءة ابن آوى زاد من تكريمه و إعلاء مقامه.

 

الباب التّاسع:

و فيه مثل الذي يعفو و يصفح و يحلم، مع قدرته على إلحاق الضّرر و الأذى بغيره. و هنا يذكر (بيدبا) قصة الأسوار و اللبؤة و الشّعهر. إذ زعموا أنّ لبؤة خرجت للصّيد مخلّفةً وراءها شبليها الصّغيرين، فمرّ بجانبهما أسوار (و هو قائد الحرب) فقتلهما، و صنع من جلديهما حقيبة، و مضى في سبيله. و لمّا رجعت اللبؤة و رأت الذي حلّ بشبليها، طارت نفسها شعاعًا، و اضطربت، و أنشأت تصيح و تنتحب حتى خرج إليها شعهر هو جارها في المسكن (و الشّعهر من جنس بنات آوى)، فسألها عن مصابها فأخبرته مالذي حل بها. فقال لها أنّ الضّرر الذي تبكي بسببه قد ألحقته بمعشر الحيوانات التي تصطادها في كل مرّة، و تُخلّف وراءها قلوب كسيرة، و أفئدة جريحة، فما هذه النّازلة التي نزلت بها إلا ثمرة عملها، و جزاء صنيعها بغيرها. فلمّا سمعت اللبؤة هذا الكلام من الشّعهر اعتزلت أكل اللّحم، و استبدلته بأكل الأثمار و الحشيش، و كرّست حياتها للنّسك و العبادة.

 

الباب العاشر:

و فيها مثل الأمور التي ينبغي على الملك الالتزام بها ليحفظ ملكه، و يقيم سلطانه، كما هو الحال في قصة ايلاذ و شادرم و إيراخت. إذ زعموا أنّه كان ملك يُدعى بلاذ. و ذات ليلة رأى منامًا مفزعًا فقام من فراشه مرعوبًا، و ما لبث أن أرسل في طلب البراهمة ليحضروا بين يديه، و هم أهل التّفسير و التّأويل. فلمّا قصّ عليهم رؤياه أجمعوا أن يخبرونه بتأويل خاطئ لرؤياه، يكون فيها قتل أحبّائه و أقربائه شرطًا لقيام ملكه، و استمرار حياته. ذلك لأنّه بينه و بينهم دم، فقد قتل منهم الكثيرين. و ما إن أخبروه بتأويل كاذب لرؤياه حتى اسودّت الدّنيا بين عينيه، و ضاقت به الأرض على وسعها، لولا أنّه ذهب إلى (كاباريون) الحكيم من أجل التّحقق من صدق تأويل البراهمة، فأخبره بتفسير آخر ما لبث أن اتّضح أنّه الأصحّ و الأصدق. و عندما اكتشف (بلاذ) كذب البراهمة و كيدهم له و لعائلته، قتلهم و ضمن حفظ عائلته، و دوام ملكه.

 

الباب الحادي عشر:

و فيه مثل الذي يترك صنعته التي يبرع فيها و يذهب إلى غيرها ممّا لا يتقن، فإذا أراد الرّجوع إلى الأولى ضلّها و لم يهتدِ إليها. إذ زعموا أنّ ناسكًا استقبل في بيته ضيفًا، و كان النّاسك يجيد الحديث بالعبرانيّة، فلمّا سمعه الضّيف أُعجبَ بلسانه، و تجشمّ مشقّة تعلم العبرانيّة رغم أنّه لا يفقه فيها شيئًا ، فلمّا رأى منه النّاسك تكلّفه نهاه عن فعله هذا مخافة أن يعود إلى أهله و قد نسي لغته الأم.

 

الباب الثّاني عشر:

و فيه مثل الذي يصنع المعروف في غير موضعه ثم ينتظر الثّناء و الشّكر. إذ زعموا أنّ صائغًا و حيّةً و قردًا و ببرا (و هو النّمر) و قعوا في حفرة، فمرّ بهم سائحٌ لمدينتهم و رآهم على حالهم تلك فرثا لهم، و مدّ إليهم حبلًا، فأنقذ الحيّة و القرد و الببر، الذين ما لبثوا أن نصحوه بأن يعرض عن نجدة الصّائغ لأنّه جاحد، ناكر للمعروف. فأعرض عن كلامهم و استنقذه من الحفرة، و مضى كلّ منهم في سبيله بعد أن قطع الأربعة وعدًا على السّائح أن يكرموه إذا حلّ بمدينتهم مرّةً أخرى. ثم شاءت الأقدار أن عرض على السّائح أمر في تلك المدينة، فقصد القرد، فأكرمه بفاكهة لذيذة. ثمّ قصدخك الببر فقتل ابنة الملك و أهداه حليّها دون أن يعلم السّائح عن ذلك شيئًا. ثم نزل السّائح ضيفًا على الصّائغ فأهداه الحليّ فلم يلبث الأخير أن تعرّف عليها و أنّها إنّما هي حليّ ابنة الملك. فنهض مسرعًا و أخبر الملك الذي ما لبث أن أرسل جنده ليقتادوا السّائح إلى السّجن. و صادف أنّ الحيّة سمعت بكاء السّائح فرثت لحاله، و اتّفقت معه أن تلدغ ابن الملك و تنفث من سمّها في جسده، فإذا انقطع الأمل من شفاءه، أعطت السّائح ورقة كان فيها دواءٌ لابن الملك، و أرسلت إلى المسموم جنيّة من صاحباتها تشير إلى أنّ إكسيره عند السّائح المسجون ظلماً. ففعلت ما اتّفقت مع السّائح عليه،  و تمّ لها ما أرادت. و لمّا برئ ابن الملك سأل الملك السّائح عن قصّته فأخبره بها دون زيادة أو نقصان، فأمر الملك بالصّائغ أن يُصلب.

 

الباب الثّالث عشر:

و فيه مثل الرّجل الحكيم الذي قد يصيب البلاء و الرجل الجاهل قد ينال الخير، كما الحال عند ابن الملك و ابن الشّريف. إذ زعموا أنّ أربعة شبان تصاحبوا في سفر، و كان الأوّل ابن ملك يؤمن بالقدر، و الثاني ابن تاجر يرجّح العقل، و الثالث ابن شريف يميل للجمال، و الرّابع ابن أكّار (حرّاث) يقدّس العمل. و كان أربعتهم في حاجة و فاقة، فأجمعوا الرّأي أن يُرسلوا في كل يوم واحد منهم إلى المدينة ليطلب رزقًا له و لهم. أرسلوا ابن الأكّار فاحتطب و باع حطبه و أحضر لهم طعاما. ثمّ أرسلوا ابن الشّريف، و كان ذو حسن و جمال فصوّره أحد المصوّرين و نقده، فرجع إلى أصحابه بقوت يومهم. ثمّ جاء الدّور على ابن التّاجر فاشترى بضاعة و باعها بثمن أغلى و قفل راجعًا إلى أصحابه . و لمّا حان دور ابن الملك، و كان لا يُتقن أي صنعة، نزل إلى المدينة و وافق ذلك وفاة ملكها، فجعله أعيان تلك النّاحية ملكًا عليهم بعد أن عرفوا أنّ دماء الملوك تسري في جسده. ثمّ لمّا جاء اليوم الموالي أرسل ابن الملك في طلب أصحابه و جعلهم أعيانًا ووزراء.

 

الباب الرّابع عشر و الأخير:

و فيه مثل الذي يرى الرّأي لغيره و لا يراه لنفسه، كما كان الحال في قصة الحمامة و الثّعلب و مالك الحزين. إذ زعموا أن حمامةً كانت كلما أفرخت و كبرت فراخها جاءها ثعلب إلى جذع النّخلة و أمرها أن تلقي إليه بفراخها أجمعين، فكانت تفعل ما يقوله خوفًا على حياتها. و حدث ذات مرّة أن رآها مالك الحزين مكتئبة حزينة، فلمّا سألها قصّت عليه قصّتها مع الثّعلب. فأشار عليها ألا ترمي إليه بفراخها لأنّه أعجز من أن يتسلق النّخلة. فلمّا كان من مجيء الثّعلب إلى أصل النّخلة و مناداته للحمامة بأن تطعمه فراخها رفضت أن ترميها له، و أخبرته أنّه إن تسلق النّخلة طارت منها و نجت بنفسها، و لما سألها عن الذي علّمها هذه الحيلة أخبرته أنّه مالك الحزين. فلما التقى به عند الشّاطئ خدعه حتى وضع رأسه بين جناحيه ثمّ وثب عليه فقتله و أكله.

Post Navi

تعليقات