وردة الهاني ... القصة التي أججت الصّراع بين المنفلوطي و جبران خليل جبران

القائمة الرئيسية

الصفحات

وردة الهاني ... القصة التي أججت الصّراع بين المنفلوطي و جبران خليل جبران



جبران و المنفلوطي... صراع عملاقي الأدب المعاصر


بعد أن حققت كتابات (جبران خليل جبران) نجاحا باهرا في المهجر مطلع القرن العشرين، و و صلت إلى العالمية سواءً باللغة العربية أو الإنجليزية، نشرت مجلة (سركيس) قصة له بعنوان (وردة الهاني) التي ضمّنها الكاتب اللبناني لاحقًا في مجموعته القصصية (الأرواح المتمردة) سنة 1908 تحت نفس العنوان.

تدور أحداث القصة في (بيروت) و فيها يروي (جبران) تلك النازلة العظيمة التي ألمّت بأحد أصدقاءه من نبلاء المدينة و أشرافها و هو (رشيد بك نعمان)، بعد أن تركته زوجته التي أغرقها بكرمه و إحسانه، و جعل منها سيدة على أترابها يحسدنها على النعمة الوفيرة التي تتقلب بين أعطافها، لتصل حياتها برجل دنيء يسكن منزلا حقيرًا ينحدر من أسرة وضيعة، لا لسبب إلا لأنّها تحبّه و تؤثر عيشة المقلّين الفقراء و هي بجانبه، على حياة المترفين الأثرياء تحت سقف قصر زوجها، لأنّ الأول يعزف أنشودة الحياة على أوتار قلبها، و يأخذ بيدها إلى جنّات الحب باسم الحب، و الثاني يقبض على روحها بأصابع من نار و يسحق حبات قلبها سحقًا باسم الزواج.


فبعدما سمع (جبران) أنّات صديقه المفجوع و آهاته، رثى لحاله و أشفق عليه، ثم رأى الرأي كله أن يبحث عن السيدة (وردة) التي فجعت زوجها الذي أحسن صحبتها و عاشرها بالمعروف، من أجل أن تصرف شهوتها مع من هو أصغر منه سنًّا، و أنضر وجهًا. حتى يعرف السبب الذي دفع بتلك المرأة إلى الإقدام على ما أقدمت عليه.

و لم تمر إلا أيام قليلة على ذلك حتى قصد الكاتب منزل السيدة (وردة الهاني) فعجب أنّها آثرت هذا الكوخ المتداعي على قصر (رشيد نعمان) و الأجدر بها تحتمي تحت جناح رجل غني يصدّ عنها بماله نكبات الدّهر و غوائله. فما إن لمحته حتى عرفت ما يدور بخلده، و كانت قد سمعت بنزوله ضيفا عند زوجها، فبادرته تروي له قصتها مع رجل عجز عن ملامسة روحها بعاطفة الحب، و تبرّر تركها له أنّه لا يهتم إلى بحاجاتها الجسدية من كسوة و دمالج، دون أن يفهم شيئًا من جوعها الرّوحي الذي لا تشبعه إلا المؤانسة و التّفاهم. فأعجبه من أمرها أنها ابتاعت السّكينة لروحها بالأموال و الجواهر، و صمّت مسمعها عن أصوات الشرائع الانسانية لتلبي نداء قلبها.



هذا ملخص لقصة (وردة الهاني) التي سرعان ما وصل صداها إلى مصر و قرأها (المنفلوطي) فاستهجنها، و عجب لأمر كاتبها و أنّى له أن يبرّر خيانة تلك المرأة الساقطة التي هجرت زوجها طواعيةً من أجل خليلها، و الأولى به و هو رجل شرقي، ترعرع و كبر في بلاد العرب، أن يستقبح صنيع هذه المرأة و يجرّم فعلتها، عوض أن يدافع عنها و يلبسها ثوب الضحية.

و قد نشر الأديب المصري مقالة بعنوان (الحب و الزّواج) في مجلة المؤيد المصرية و ضمّنها في كتابه (النظرات) في جزءه الأول لاحقًا، و فيها عقّب على قصة (وردة الهاني) و اكتفى بعبارة الكاتب  دون أن يشير إلى اسم (جبران) حرفيًا. و قد أبدى (المنفلوطي) استياءه الشّديد من موقف (جبران) إزاء هذه المرأة التي حوّلت وجهها صوب الشمس لكي لا ترى ظلّها بين الأشواك و الجماجم، و اعتبره مساساً بمقومات الأسرة العربية الشريفة، و استهتارًا بقدسية الرّباط الزّوجي الذي تسقط أمامه كل الميول و العواطف و الرّغبات و النّزعات. حيث يقول الأديب المصري في مقالته: " فإذا جاز لكل زوجة أن تفرّ من زوجها إلى عشيقها كلّما وقع في نفسها الضّجر [...] فعلى النّظام البيتي و الرّابطة الزّوجيّة بعد اليوم ألف سلام. "

و لما اطّلع (جبران) على ما جاء في مقالة (المنفلوطي) و نقده اللاذع لقصة (وردة الهاني) سارع هو الآخر بالرد دفاعًا عن موقفه، مع اكتفاءه بعبارة "الأديب المصري الفاضل" دون تسميات. فكتب مقالةً يتأسف فيها على حال المجتمع الإنساني المنافق الذي يكبّل النّاس بقيود الشّرائع الباطلة، ثم يصفهم بالأشرار إذا ما استمعوا يومًا إلى صوت أنفسهم، و لبّوا نداء السّعادة، و ثاروا على القوانين التي سنّها الإنسان ليستعبد الإنسان. و يقول جبران في ردّه: " والزيجة هي حياة معنوية تنبثق من عناق زوجين قربهما الحب وضمهما التفاهم ولن تتولد من موحيات الشرائع ولا من لمعان الفضة والذهب ولا من جوانب المجد والسؤدد."

و لم يزد الصراع الفكري بين (جبران) و (المنفلوطي) أكثر من هذا الحد، فلم يُعرف عن أي منهما أنّه انتقد الآخر بعد قصة (وردة الهاني).


Post Navi

تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق